الاثنين، 14 مايو 2012

غيرلندايو " جيوفانا "

غيرلندايو " جيوفانا "



بين 1489 م و 1490 م / تامبرا على خشب ( 49× 77سم )
متحف تايسن - بونيميزا ، مدريد
غيرلندايو هو أحد أساتذة الرسم في بدايات النهضة الإيطالية ، ولد عام 1449م وتوفي
عام 1494 م عرف في حياته شهرة كبيرة واعترافاً رسمياً به ، سواء أكان ذلك
في مسقط رأسه فلورنسا أم في روما ، حيث عمل لبعض الوقت لصالح بابا
الفاتكيان سيكستوس الرابع .

درس غيرلندايو أولاً صياغة المجوهرات ، ثم درس فن الرسم
وصناعة الموزاييك عند أليسيو بالدوفيتي ، وخلال عمله في متجر المجوهرات ،
كان يرسم بعض النسوة المارات في الشارع ، فلفت الأنظار بموهبته ، وبسرعه
أصبح الرسام المفضل لدى عديد من العائلات الارستقراطية في فلورنسا ، فراح
يرسم صوراً شخصية لأبناء هذه العائلات ، وكان من بين هذه اللوحات عدد كبير
يمثل نساءاً ، الآمر الذي كان نادراً جداً آنذاك .
" جيوفانا " التي نرى صورتها هنا ، هي ابنه عائلة أرستقراطية من فلورنسا
تزوجت قبل أن تبلغ الثامنة عشر من عمرها من نبيل يدعى لورنزو تورنابووني ،
بتدبير من الأمير لورنزو دي ميتشي نفسه . وكان غيرلندايو على علاقة وثيقة
بعائلة الزوج ، فرسم جيوفانا هذه في عده لوحات تعتبر هذه أشهرها .

نرى جيوفانا في هذه اللوحة تتخذ وضعاً جانبياً تماماً ، إذ تعامل الرسام مع
وجهها كما يتعامل الصائغ مع نحت الميداليات ، وهو تقليد ابتكره وأرساه
بيزانيللو في ثلاثينيات ذلِك القرن . وهي ترتدي ثوباً من قماش البروكار
المطرز بخيوط ذهبية . وهنا تجدر الإشارة إلى أن غيرلندايو كان من أوائل
الرسامين في العالم ( إن لم يكن أولهم على الإطلاق ) الذي رسم الذهب
بالألوان ، ولم يستخدم ورق الذهب الحقيقي على اللوحة ، ساعده في ذلك تمرس
بصره بتلاعب اللون الأصفر الذهبي تحت الضوء ، من خلال عمله في فن الصياغه .
ويظهر خبرته في المجال نفسه من خلال الميداليه الذهبية المرصعه بحص كبير من
الياقوت وثلاث لآلئ تتدلى على صدر المرأة ، والحلية الثانية المشابهة لها
الموضوعة عند حافة الفجوة على الحائط .
وعندما نتطلع الى تفاصيل الوجه ( العينان ، الأنف ، الفم ، الذقن ، الشعر
المسرح جيداً ... ) نلحظ أن الرسام أراد أن يجعل من جيوفانا هذه المرأة
المثالية حتى أن خصلة الشعر المتدلية على خدها ، تبدو متوازية مع بعضها
بشكل غير معقول في الواقع ، وهذا ما دفع الرسام أيضاً إلى إطالة العنق بشكل
لا يخلو من المبالغة . واستناداً إلى قدرته الكبيرة على استخدام مادة "
التامبرا " وليس الألوان الزيتيه ، فقد ساعدته هذه المادة على رسم مساحات
كبيرة تتسم بالنقاء اللوني ، وفي الوقت نفسه تمكن موهبته من إضافة اللمسات
التي تعطي المساحات أحجاماً وتقولبها حتى الحدود القصوى الممكنة بواسطه هذه
الماده .
أما النص المكتوب باللاتينيه قرب هذه السيدة ، والذي يستوقف الأنظار نظراً
لضخامته ، فيقول " لو أن الفن كاد يستطيع نسخ الشخصية والروح لما وجدت في
العالم لوحة أجمل من هذه " وفي هذا تلميح واضح أن غيرلندايو كان يرى في هذه
السيدة من الفضائل الأخلاقية ما لا يتمتع به أحد

عبود طلعت عطية " ناقد تشكيلي من لبنان " مجلة العربي عدد 639 فبراير 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق