الاثنين، 14 مايو 2012

جدار سارتر - عمق الوجع البشري

جدار سارتر





جدار سارتر ، وعمق الوجع البشري




في الجدار يغوص سارتر في عمق الوجع البشري ويسبر اغوار النفس البشرية في أقصى حالات التوتر والقلق الناجم عن المصير المنتظر ، عند انتظار الموت ..
ثلاثة أشخاص ينتظرهم الموت وينتظرونه ، حكم عليهم بالاعدام رمياً بالرصاص ، يحلل سارتر في هذه الرواية مشاعر كلاً منهم وفقاً لبيئته وعمره وتفكيره وخبرته المكتسبة من الحياة .
في السجن الذي هو عبارة عن أقبية مستشفى سجنوا الثلاثة بغرفة واحِده وتبدأ المخاوف والهواجس تجترهم ، جو مشحون بالقلق ، التوتر الرعب ، الخيالات الكابوسية واللامبالاه المصطنعه .

" هل تدري ما يفعلونه في سراغوسه ؟ ، يطرحون الأشخاص على الطريق ويمرون فوقهم بالشاحنات ، أخبرنا بهذا حد المغاربة الفارين ، يقولون أن ذلك لتوفير الذخيرة .
فقلت " هذا لا يوفر المحروقات " ..!

يقوم سارتر كذلك بوصف كل العناصر البسيطة والمهملة ، بالمكان والزمان كنوع من خلق الأجواء المتأرجحه بين الخوف والقلق وبين الأمنيات المضادة . فيزيد ذلك الجو قلقاً وتوتراً .. مما يجعل القارئ كذلك بحالة من التوتر والقلق وشد الأعصاب .
الطبيب البلجيكي يأتي كعنصر فعال وأساسي لشحن الجو بالقلق والخوف ، ولترويع المساجين الذين يقتاتهم القلق والرغبة بتوقف الزمن لحظة سرمدية ابدية فلا تشرق شمس صباح اليوم التالي .

" قلت له أنت لا تأتي الى هنا للمسايرة ، فأنا أعرفك . لقد شاهدتك مع الفاشيين في باحة الثكنة ، وافي اليوم الذي أوقفنا فيه "

اكثرهم تعبيراً عن خوفه هو ذلك الصغير ، الغير مذنب وإنما هو فقط أخ لثائر ، خلافاً للأخرين الذين لا يشعرون بالاضطهاد فهما مذنبان بالفعل خلافاً للبريء الصغير الذي لا يكف عن البكاء خوفاً .
يحتفظ كلاً من المساجين بذاتيه التي تظهر جلياً من خلال سلوكه ، الذي يعبر عن المشاعر الواحده التي يعيشونها ، وعن اختلاف مواجهتم للأمر تبعاً لشخصية كلاً منهم المختلف وتجاربه السابقة .

في الصباح يتم اقتياد الطفل الصغير والآخر للإعدام ويبقى الراوي بالزنزانه ، بعد قليل يتم اصطحابة للاستجواب ويساومونه على حياته ليبلغهم بمكان صديقه " غري " يناقش نفسه ، فيصل الى ان لا فائدة من ابلاغهم عن مكان " غري " فهم سيقتلون أحداً فلا يهم ان كان هو او غري ، ثم أنه يفضل ان يبقى غري حياً لاتمام مهمة ما ، فيكذب عليهم ويخترع مكاناً أخر لا يوجد به غري " المقبرة " يتم الإفراج عنه يلتقي بأحدهم فيخبره ان غري قد تم قتله ، لماذا ؟
غري تخاصم مع أبناء عمومته الذيين يقيم عندهم ، وقرر ان لا يقبل إحساناً من أحد فذهب للاختباء بالمقبرة ، وبالتأكيد مروا على المقبرة ، حدث اطلاق نار بينهم وبينه فأردوه قتيلاً .
يصاب بالذهول والخجل ، فكيف تتحقق كذبته ، فلو انه اخبرهم بمكانه الحقيقي لكان انقذه بالفعل .
يصل سارتر من خلال هذه الرواية المهمة جداً في الأدب الى القدرة العالية لوصف العمق البشري وما يجري بالنفس البشري عند مواجهة المواقف الحرجه .كما نستشف عمق فلسفه سارتر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق